تقرير أشغال الورشة المنهجية الموسومة بـ: “علم الامتحانات”
تقرير أشغال الورشة المنهجية الموسومة بـ: “علم الامتحانات”
نظم مخبر البحث في السياسات العامة والتحديات التنموية والأمنية في بلدان المغرب العربي بتاريخ الثالث عشر من جانفي 2021 بمقر المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية ورشة منهجية حول موضوع “علم الامتحانات” نشطها كل من الدكتور: علي لراري والدكتور ياسين بولالوة.
تعتبر مسألة تقييم وقياس الأداء والمستوى من متطلبات العملية التعليمية في مختلف الأطوار
فبدونها لا يمكننا معرفة فاعلية وجدوى التكوين الذي يتلقاه التلاميذ في المدارس والطلبة في الجامعات. وبما أن الامتحانات الشفوية والكتابية هي إحدى الوسائل الأكثر شيوعا لتقييم نجاعة التكوين وتقدير المستوى العام لطلبة العلم، فلقد لقيت ظاهرة “الامتحان” اهتماما واسعا من قبل المختصين بعلوم التربية والتعليم، وجعلوا منها موضوعا لعلم جديد أطلقوا عليه “علم الامتحان أو الدوسيمولوجيا” Docimologie.
إن نشأة هذا العلم لم تكن وليدة الصدفة، بل كانت نتيجة حتمية لتزايد مستويات التمدرس والتعليم في مختلف الأطوار، ونتيجة للتقدّم المطرد في مناهج التدريس وتكيفها مع متطلبات التحديث والعصرنة.
غير أن تناول هذا الموضوع من جوانبه التقنية الإجرائية فقط، قد يفقده أهميته، ولا يمكّننا من إدراك تعقيد ظاهرة “الامتحان”، التي تعبّر عن بيئة نفسية وتفاعلات اجتماعية مركبة.
وفي اعتقادنا أنه لا يمكن أن نتحدث عن عملية التقييم أو ندرك جدواها قبل أن نطرح الأسئلة الوجيهة والضرورية والتي تتعلق أساسا بالغايات والأهداف الرئيسية التي نسعى إلى تحقيقها، أي وباختصار شديد يجب أن نتساءل حول ماذا نريد؟ قبل ان نتساءل عن كيفية تحقيق ذلك أي المنهجية المتبعة، أو كيف نحقق ذلك.
فمسار تدريس أي مقياس أو وحدة تعليمية يجب أن يراعي أربعة عناصر جوهرية هي:
أولا: تحديد الغايات والأهداف المرجوة من تدريس هذه المادة، أي ماهي المدارك المعرفية والقدرات العلمية التي يجب أن يكتسبها الطالب من خلال هذا المقياس.
ثانيا: الطريقة أو منهجية التدريس المعتمدة لتحقيق هذه الغايات والأهداف، وهنا تتداخل الجوانب المنهجية والبيداغوجية.
ثالثا: تقييم العملية التعليمية بواسطة الاختبارات الدورية لقياس المستويات العامة والخاصة للطلبة.
رابعا: وهنا نصل إلى مرحلة التقويم، الإصلاح والتعديل، وتدارك الأخطاء التي قد نجدها في المراحل السابقة.
وبالتالي فالامتحان مرحلة لا بد منها في أي مسار تكويني، وبدونه لا يمكننا الحكم على نجاحه أو فشله، وحتى يحقق الامتحان مبتغاه كوسيلة قياس وتقييم لمستوى التكوين والمكوّن (أي الطالب)، لا بد أن يخضع لشروط ومعايير صارمة وأن لا يكون محطة جزافية اعتباطية. ولهذا فعلماء التربية والبيداغوجيا يتكلمون عن “تصميم الامتحان”، تماما كما يفعل المهندس المعماري.
ولهذا فطبيعة الأسئلة وطريقة صياغتها تكتسي أهمية بالغة في توجيه التكوين والتعليم وتوضيح الوجهة التي نريدها.
فمن خلال أنماط ونماذج الأسئلة المقدمة يمكننا معرفة المراد والمبتغى من العملية التعليمية ككل، أي هل نريد فعلا تكوينا نوعيا يسعى إلى تطوير ملكات الطالب الفكرية والعلمية و إكسابه قدرات عقلية كالتحليل ( (analyse والتركيبsynthèse)) الاستنتاج (conclusion) الاستقراء ( induction) الاستنباط (déduction) … و هذا النوع من الأسئلة، لا يلغي الحاجة إلى التراكم المعرفي او الرصيد المعلوماتي، ولكنه لا ينظر إليه إلا كمنطلق للاستدلال والبرهنة.
بينما الأسئلة المباشرة فهي نمط يسعى إلى التلقين وتخزين أكبر قدر من المعلومات، وهنا يتم تغليب كفة الكم على النوع. وهذا النوع من الأسئلة قد لا يكون سلبيا، بالضرورة، فهو ضروري في الوحدات التعليمية التي تحتاج إلى التحصيل الكمي المحض.
ولعلّ أهم عنصر يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند تقييم أداء الطلبة هو الالتزام بمعياري الانصاف والموضوعية. ولعلّ الإشكال يبرز أكثر في العلوم الإنسانية والاجتماعية، التي يصعب فيها التخلص الكلي من الذاتية والتحيز.
ولكي نتجنب ما يمكننا تسميته التعسّف في تقييم الطلبة، لا بد أن نتخلص من بعض الأنواع من الأسئلة التي قد يكون مفعولها مضرا وسلبيا على الطالب إلى درجة كبيرة.
فصياغة السؤال هو فن يتطلب درجة كبيرة من الحرص والمسؤولية العلمية والأخلاقية ومن بين هذه الأنواع نذكر:
- الأسئلة العقيمة غير المنتجة: أي الأسئلة التي لا تتطلب توظيف الملكات العقلية وأثرها محدود في تنمية القدرات الفكرية للطالب.
- الأسئلة شديدة التعقيد: ونقصد بها تلك التي تصاغ بطريقة بسيطة ومباشرة، فتجعل الطالب يعتقد أنها سهلة، فيعمد إلى الإجابة عنها دون بدل مجهود كبير ظنا منه أنها ليست معقدة، مثل أن تطلب من الطالب الإجابة عن السؤال التالي: ماهي أسباب اندلاع حرب عالمية كبرى او أزمة دولية، فيعتقد أن الجواب يقتضي جرد مجموعة من العوامل والأسباب المباشرة في حين أن الظاهرة المدروسة أعقد بكثير، وهنا يتعود الطالب على التبسيط المخل والابتعاد عن التعمق في دراسة الظواهر.
- الأسئلة الخادعة: وهي من بين الأسئلة التي يتعمّد فيها السائل اختبار الطالب بطريقة مخادعة، وهذا النوع من الأسئلة من الأنواع التي يحبّذ تجنبها، فهي تعسّفية واعتباطية وغير منصفة، وتخلق توترا نفسيا للطالب خلال الامتحان، كما أنها غير منتجة.
- الأسئلة الغامضة: وهي الأسئلة التي يصعب فهمها، ولعل السائل يكون متعمدا للغموض الشديد، وهي مضرة من الناحية البيداغوجية، فهي تجعل الطالب يفقد الثقة في قدراته الذاتية ويصبح يعتقد أنّه غير جدير وغير كفؤ.
كما أن معيارا الموضوعية والانصاف يتوجّب توفّرهما عند طرح الأسئلة تجنبا للذاتية والتحيّز، فإن توفّرهما في تقييم الطالب يكون أكثر إلحاحا.
وعليه يجب مراعاة جوانب كثيرة قبل وضع العلامات notation))، فهي ليست عملية اعتباطية تخضع لنزوات السائل أو المصحّح بقدر ما هي وظيفة بيداغوجية تتطلب قدرا كبيرا من الذكاء ومراعاة شروط وسياقات كثيرة.